الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ
مَرَرْتُ لَيْلَةَ أَمْسِ بِرَجُلٍ بَائِسٍ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ كَأَنَّـمَا يَشْكُو أَلَمًا؛ فَرَثَيْتُ لِـحَالِهِ، وَسَأَلْتُهُ مَابَالُهُ، فَشَكَا إِلَيَّ الْـجُوعَ؛ فَفَثَأْتُهُ عَنْهُ ثُـمَّ تَرَكْتُهُ، وَذَهَبْتُ إِلَى زِيَارَةِ صَدِيقٍ لِي مِنْ أَرْبَابِ الثَّرَاءِ وَالنِّعْمَةِ؛ فَأَدْهَشَنِي أَنِّي رَأَيْتُهُ وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ، وَأَنَّهُ يَشْكُو مِنَ الْأَلَـمِ مَا يَشْكُو ذَلِكَ الْبَائِسُ الْفَقِيرُ. فَسَأَلْتُهُ عَمَّا بِهِ فَشَكَا إِلَيَّ الْبِطْنَةَ، فَقُلْتُ: يَا لَلْعَجَبِ! لَوْ أَعْطَى الْغَنِيُّ الْفَقِيرَ مَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ مِنَ الطَّعَامِ مَا شَكَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا سَقَمًا وَلَا أَلَمًا.
لَقَدْ كَانَ جَدِيرًا بِهِ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنَ الطَّعَامِ مَا يُشْبِعُ جَوْعَتَهُ، وَيُطْفِئُ غَلَّتَهُ؛ وَلَكِنَّهُ كَانَ مُـحِبًّا لِنَفْسِهِ مُغَالِيًا بِـهَا، فَضَمَّ إِلَى مَائِدَتِهِ مَا اخْتَلَسَهُ مِنْ صَفْحَةِ الْفَقِيرِ؛ فَعَاقَبَهُ اللهُ عَلَى قَسْوَتِهِ بِالْبِطْنَةِ، حَتَّى لَا يَهْنَأَ لِلظَّالِـمِ ظُلْمُهُ، وَلَا يَطِيبَ لَهُ عَيِشُهُ. وَهَكَذَا يَصْدُقُ الْمَثَلُ الْقَائِلُ: "بِطْنَةُ الْغَنِيِّ ٱنْتِقَامٌ لِـجُوعِ الْفَقِيرِ".
مُصْطَفَى لُطْفِي الْمَنْفَلُوطِيُّ-رَحِمَهُ
اللهُ-
تعليقات
إرسال تعليق